«ألا إن الدعی بن الدعی قد ركزنی بین اثنتین بین السلّة و الذلة»، يا أهل الكوفة، اعلموا أنني درستُ الأوضاع الاجتماعية جيدًا وفهمتُ الموضوع، هذا الرجل الذي لا نسب له، یعنی ابن زیاد، ابن ذلك الرجل الذي لا نسب له، زیاد بن أبیه، قد وضعني بين خيارين: إما السيف وإما الذلة. لقد وضعني في موقف […]
«ألا إن الدعی بن الدعی قد ركزنی بین اثنتین بین السلّة و الذلة»، يا أهل الكوفة، اعلموا أنني درستُ الأوضاع الاجتماعية جيدًا وفهمتُ الموضوع، هذا الرجل الذي لا نسب له، یعنی ابن زیاد، ابن ذلك الرجل الذي لا نسب له، زیاد بن أبیه، قد وضعني بين خيارين: إما السيف وإما الذلة. لقد وضعني في موقف لا بد لي فيه من اختيار أحد الأمرين، ولا بد لي من اتخاذ طريق أحدهما. «ألا إن الدعی بن الدعی قد ركزنی بین اثنتین بین السلّة و الذلة». إما أن تُستلّ السيوف ويبدأ القتال ويُختتم، أو أنني أُذعن للذل. ومعنى الذلة هنا ليس فقط أنني أذعن للذل، بل يعني أن أفتح طريق الذل والإذلال أمام الأمة الإسلامية العزيزة، الأمة التي جعلها الله عزيزة، والتي أسسها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعزة وكرامة.
هذه الأمة العزيزة والرفيعة يجب ألا تُسلم للذل والهوان على يد الحسين بن علي (عليهما السلام) وفي زمن قيادته. «هیهات منا الذلة». ولكن اعلموا أنني قد اخترتُ رأيي وقراري النهائي، واخترتُ طريق الحرب. لأننا لسنا من أهل الذل، وبعبارة أخرى، الأمة الإسلامية بعيدة عن الذل، فقد خلق الله هذه الأمة بعزة وكرامة. «وهیهات منا الذلة، یأبی الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون». فلا الله ولا رسوله ولا المؤمنون يرضون لنا الذل، ولا تقبل لنا بالذل. «و حجور طابت و طهرت». ولا الدهور الطاهرة الفاضلة التي نشأنا فيها تقبل أن نفتح باب الذل والإذلال على أنفسنا وعلى الأمة الإسلامية. «و أنوف حمیة و نفوس أبیة من أن تؤثر طاعة اللئام مصارع الکرام». هذا أيضاً نقطة طاعة غريبة، قال: هؤلاء الشجعان الذين هم معي، هؤلاء الشباب الذين جاءوا معي واصطفوا حولي، لا يذعنون للذل لأنفسهم أو للأمة الإسلامية، وهؤلاء الناس ليسوا من النوع الذي يفضلون طاعة الناس الأذلاء والوضيعة على القتل والشهادة والتضحية.
أشعار الإمام علي الأكبر (علیه السلام)
علي بن الحسين (علیه السلام) یعنی علی الأكبر (علیه السلام) عندما كان يتلو الرجز يوم عاشوراء، جعل هذه الكلمات من أبيه موضوعاً للرجز:
أنا علي بن الحسین بن علي
نحن و بیت الله أولی بالنبي
أطعنکم بالرمح حتی ینثني
أضربکم بالسیف أحمي عن أبي
ضرب غلام هاشمي عربي
والله لایحکم فینا ابن الدعي
أشعار فروة من لسان الإمام الحسین (علیه السلام)
وفي إحدى خطب سید الشهداء (علیه السلام)، أنشد شعر فروة بن مسيك المرادي الصحابي، وهو أحد كبار صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتلا هذه الأشعار العجيبة والمليئة بالروح والمعنى أمام العدو وأكد أنه سيفوز في هذا النضال المقدس:
فإن نهزم فهزامون قدماً
وإن نهزم فغیر مغلبینا
يا جيش الشام! إذا هزمناكم اليوم، فهذا شأننا وعادتنا، فنحن دائماً نسحق أعداءنا، وإذا هُزمنا وكنتم على ما يبدو قد غلبتم علينا، فلا زلنا غير مهزومين ولا مغلوبين، وإذا قتلنا فالنصر لنا، وإذا قُتلنا فالنصر لنا أيضًا.
وما أن طبنا جبن ولکن
منایانا ودولة آخرینا
نحن لسنا جبناء، نحن أسياد شجعان في العالم، وإذا قُتلنا فهذا ليس لأننا جبناء، بل لأن وقت رحيلنا قد حان ويوم الشهادة والتضحية قد جاء.
إذا ما الموت رفع عن أناس
کلاکله أناخ بآخرینا
هكذا هو الدهر، فعندما يرفع الموت سطوته عن قوم، يُنزلها على آخرين، واليوم هو يوم ضغوطات الدهر علينا.
فأفنی ذالکم سروات قومی
كما أفنی القرون الأولینا
كما مضت الأمم السابقة، اليوم هو يوم رحيلنا نحن وأصدقائنا؛ ثم يأتي شعر غريب للغاية ومليء بالحكمة:
فلو خلّد الملوك إذاً خلدنا
ولو بقي الکرام إذاً بقینا
إذا بقي ملوك العالم أحياء، لكنا نحن أيضًا -بحكم أننا ملوك الملك والملكوت- قد بقينا أحياء، وإذا كان للرؤساء والشجعان في العالم طريق للخلود والبقاء، لكان هذا الطريق مفتوحاً لنا قبل الجميع.
أهمية قیام سيد الشهداء (عليه السلام)
نقطة يجب أن أشير إليها هنا، لأن البعض قد يظن من هذا البيان أو من بيانات أخرى حول نهضة وقيام الإمام الحسين (عليه السلام) أن كل الثورات التي كانت وستكون في الإسلام حتى يوم القيامة هي نفسها نهضة الإمام الحسين (عليه السلام). وهذا ليس صحيحاً، قیام الإمام الحسين (عليه السلام) كان له سابقة وسيكون له عواقب، كما قلت، كان الإمام الحسين (عليه السلام) محورًا لجميع الثورات الإسلامية المقدسة التي كانت تؤكد ما كان قبلها وتستلهم منها الثورات التي جاءت بعد ذلك وستأتي. إذا فهم شخص قیام الإمام الحسين (عليه السلام) على هذا النحو: أن الإمام الحسين (عليه السلام) قد قام وخلص الأمة الإسلامية من كل ثورة وكل مسؤولية وكل قیام، ثم سيأتي إمام الزمان (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ابن التاسع يوماً ما ويقوم بقيام آخر، وبذلك تكون الأمة الإسلامية قد خلت من أي تكليف آخر، فهذا خطأ كبير،
وهذا النوع من التفكير هو عكس الهدف من قيام الإمام الحسين (عليه السلام). في النصف الثاني من خلافة عثمان، برز الانحراف الشديد للمسلمين عن المسار الصحيح للحكم الإسلامي، وبدأت الثورة منذ ذلك الحين. وكانت هذه الثورات موجهة إلى هذا الغرض، وقادها الإمام الحسين (عليه السلام) بأيدٍ شريفة للغاية.
اترك تعليقاً