في صباح عاشوراء، هاجم فرسان الأعداء على الإمام الحسين (عليه السلام). فرفع الإمام (عليه السلام) يديه إلى الله وقال: « اللهم أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة. كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتنقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، […]
في صباح عاشوراء، هاجم فرسان الأعداء على الإمام الحسين (عليه السلام). فرفع الإمام (عليه السلام) يديه إلى الله وقال:
« اللهم أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة. كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتنقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك، وشكوتك إليك رغبة مني إليك عمن سواك، ففرجته عني وكشفته، فأنت وليي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة. »
أيها الناس، في كل محنة أتوكل عليك وأنت أملي في كل شدة، في كل مشكلة أواجهها، أنت وحدك ملاذي وحلّي، كم من ضائقة أضعفت قلبي، ولم يكن لها مخرج، حيث لا يعين الأصدقاء، ويشمت الأعداء، ولكن عندما قطعت الأمل من غيرك، وطلبت الحل منك وحدك، منحتني الفرج وأبعدت عني المشكلة.
كل نعمة وخير تصل إلينا من عندك، وكل شيء يجب أن يُطلب منك.
ثم خطب الإمام الحسين (عليه السلام) أمام العدو، وقال:
« أيها الناس في العراق، اسمعوا قولي ولا تتسرعوا في قتلي حتى أعظكم بما هو واجب عليّ، وأبين لكم عذري في مجيئي إلى العراق. فإذا قبلتم عذري وصدقتم قولي، وتعاملتم معي بالعدل والإنصاف، فقد سددتم طريق سعادتكم ولن يكون لكم سبيل عليّ. وإن لم تقبلوا عذري، وانحرفتم عن العدل والإنصاف، فاحذروا من عواقب قتلي، وتأملوا في هذا الأمر بتأني، ولا تتسرعوا في عمل عظيم كهذا؛ فالله هو من يؤيدني، وهو من أرسل القرآن، والله يرعى عباده الصالحين. »
وعندما انتهى الإمام (عليه السلام) من كلامه، ارتفعت أصوات بكاء النساء وصراخهن. فقال للإمام عباس (عليه السلام) وابنه علي (عليه السلام):
« اذهبوا وهدئوا النساء، فهن سيبكين كثيراً بعد الآن. »
ثم عندما سكنت أصوات النساء من وراء الستار، حمد الإمام (عليه السلام) الله مجدداً، وصلى على الملائكة والأنبياء، وتحدث ببلاغة ووضوح أكثر من أي خطيب قبله أو بعده، وخاطب أهل الكوفة قائلاً:
« أيها الناس، تعرفوا عليّ وانظروا من أنا؟ ثم عودوا إلى أنفسكم وعاتبوها، وتفكروا جيداً إذا كان يجوز لكم قتلني وانتهاك حرمتي. أليس أنا حفيد نبيكم؟ أليس أنا وصي النبي وعمّه، وأول من آمن بالله وصدّق رسوله بما أنزل الله؟ أليس حمزة بن عبد المطلب، سيد الشهداء، عمّ أبي؟ أليس جعفر بن أبي طالب، الشهيد الذي يطير بجناحين مع الملائكة، عمي؟
ألم تسمعوا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال عني وعن أخي إنهما سيدا شباب أهل الجنة؟ إذا كنتم تعتبرونني صادقاً في نقل هذا الحديث، وما أقول حقاً، فهو خير؛ والله، منذ أن علمت أن الله يكره الكاذب، لم أكذب! وإذا لم تصدقوا قولي وتكذبونني، فهناك من أصحابه (صلى الله عليه وسلم) بينكم، إذا سألتموهم، سيقولون لكم. اسألوا جابر بن عبد الله الأنصاري، أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد الساعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك، ليخبروكم بأنهم سمعوا هذا الحديث من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عني وعن أخي.
هل هذا الحديث لا يكفي لردعكم عن قتلي؟ ثم قال: إذا كان لديكم شك في هذا الحديث، هل يمكنكم الشك في كوني ابن بنت نبيكم؟ والله، لا يوجد في المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري.
قولي لي، هل قتلت أحدكم وأريد دماءه؟ هل أخذت مالاً منكم وتطالبونه؟ أو جرحته وأنتقمتم لذلك؟
كل ما قاله الإمام الحسين (عليه السلام) لم يتلقَ إجابة، ولم يتجرأ أحد على الرد، فذكر أسماء بعض الأشخاص وتوجه إليهم قائلاً:
« أيها شبث بن ربعى، أيها حجار بن أبرج، أيها قيس بن أشعث، أيها يزيد بن حارث، ألم تكتبوا لي رسالة تقولون فيها إن الثمار قد نضجت والأراضي خضراء، وجنود العراق مستعدون للتضحية من أجلكم، فتعالوا بأسرع ما يمكن؟ »
يقول الطبري في رده: قالوا للإمام (عليه السلام): « لم نكتب أي رسالة، ولا نعلم شيئاً مما تقول. »
أحقاً إلى أي مدى ينزل انحطاط الإنسان وقسوته، بأن هؤلاء الناس الذين دعوه برسائل عديدة ووقعوا عليها، يردون بكل وقاحة ويقولون إنه لم يكن هناك أي دعوة!
يقول الطبري: وفي جواب الإمام (عليه السلام) قالوا: لم نكتب رسالة، ونحن لا نعلم بما تقول.
كم هو أمر حقير وناقص في البشرية، أن نفس الناس الذين دعوا إمامهم برسائل كثيرة ووقعوا على تلك الرسائل، يجيبون بوقاحة ويقولون: لم نكتب رسالة ولم ندعُ!
في صباح عاشورا، هاجم فرسان العدو الإمام حسين (عليه السلام). فرفع الإمام (عليه السلام) يديه إلى السماء وقال:
« اللهم أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة. كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتنقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك، وشكوتُه إليك رغبة مني إليك عمّن سواك، ففرجته عني وكشفته، فأنت وليي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة. »
ربّنا! في كل مصيبة موضع ثقتي أنت، وفي كل صعوبة أرجو منك، وفي كل مشكلة تطرأ علي، أنت الوسيلة والحل الوحيد. كم من هم وقلق كان يضعف القلب ولا يوجد له حل، والأصدقاء لا يساعدون، والأعداء يتشفى بهم، ولكن لأنني قطعت أمالي عن غيرك وطلبت الحل منك وحدك، أعطيتني الفرج وكشفت عني المشكلة، فكل نعمة وخير يأتي منا، وكل شيء يجب طلبه منك.
خطبة الإمام (عليه السلام) أمام العدو.
ثم صعد الإمام حسين (عليه السلام) على جمله وصاح بصوت عالٍ ليسمعه معظمهم:
« أيها الناس في العراق، اسمعوا قولي ولا تستعجلوا في قتلي حتى أعظكم بما يجب عليّ، وأبين لكم عذري في قدومي إلى العراق، فإذا قبلتم عذري وصدقتم قولي وعاملتموني بالعدل والإنصاف، فقد سلكتم طريق السعادة لأنفسكم ولن تكون لكم حجة عليّ، وإذا لم تقبلوا عذري وانحرفتم عن طريق العدل والإنصاف، فقتلُي بعد ذلك هو تأمل في هذا الأمر وكونوا على حذر من التسرع والجهل في فعل أمر عظيم كهذا؛ وليي هو الله الذي أرسل القرآن، والله يتولى الصالحين. »
عندما وصل كلام الإمام (عليه السلام) إلى هنا، ارتفع صوت البكاء والعويل من الأخوات والبنات اللواتي كن يسمعن صوته، فقال لأخيه العباس (عليه السلام) وابنه علي (عليه السلام):
« اذهبا وهدئا هؤلاء النساء لأنهن سيفجعن بعد ذلك. »
وعندما هدأ صوت النساء من حرم العفة والطهارة، عاد الإمام (عليه السلام) إلى شكر الله، وأرسل الصلاة على الملائكة والأنبياء، وتكلم بأوضح وأشمل من كل من سبقوه أو سيأتي بعده، وخاطب أهل الكوفة وقال:
« أيها الناس، تعرفوا عليّ وانظروا من أنا؟ ثم تعالوا ولاموا أنفسكم وتفكروا جيداً هل يجوز لكم قتلّي وانتهاك حرمي؟ أليس أنا حفيد نبيكم؟ أليس وصي نبيكم وابن عمه وأول من آمن بالله وصدق رسول الله فيما جاء به؟ أليس حمزة بن عبد المطلب، سيد الشهداء، عم أبي؟ أليس جعفر بن أبي طالب الشهيد الذي له جناحان ويطير مع الملائكة، عمي؟
ألم تسمعوا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عني وعن أخي إنهما سيدا شباب أهل الجنة؟ إذا كنتم تصدقون هذا الحديث وتعتبرون ما أقوله حقاً، فذلك أفضل. والله، منذ علمت أن الله يبغض الكاذب، لم أكذب قط! وإذا لم تصدقوا قولي وتكذبونني، لا يزال بعض صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بينكم، إذا سألتموهم سيخبرونكم. اسألوا جابر بن عبدالله الأنصاري أو أبا سعيد الخدري أو سهل بن سعد الساعدي أو زيد بن أرقم أو أنس بن مالك، ليخبرونكم أن هذه الأقوال سمعوها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عني وعن أخي.
أليس هذا الحديث كافياً ليمنعكم من قتلي؟ ثم قال: إذا كنتم تشكّون في هذا الحديث، هل يمكنكم أن تشكّكوا في كوني ابن بنت نبيكم؟ والله، لا يوجد في المشرق أو المغرب ابن بنت نبي غيري.
قلوا لي بصدق، هل قتلتُ أحداً منكم وتريدون ثأره؟ هل أخذت مالاً منكم وتطلبونه؟ أم جرحاً أصبته ورفعتم الأمر للثأر؟
كل ما قاله الإمام حسين (عليه السلام) لم يُعطَ إجابة، ولم يقم أحد بالرد، فسمّى بعض الأشخاص وتوجه إليهم بالكلام وقال: « أي شبث بن ربعي، وأي حجار بن أبجر، وأي قيس بن أشعث، وأي يزيد بن الحارث، أما أنتم الذين كتبتم إليّ بأن الثمار قد نضجت، والأرض قد خضرت، وجنود العراق مستعدون للتضحية من أجلكم، فبادروا بالسفر إلى العراق بأسرع ما يمكن؟ »
يقول الطبري: وفي جواب الإمام (عليه السلام) قالوا: لم نكتب رسالة، ونحن لا نعلم بما تقول.
كم هو قعر الدناءة ونقص الإنسانية، أن نفس الناس الذين دعوا إمامهم برسائل كثيرة ووقعوا عليها، يجيبون بوقاحة ويقولون: لم نكتب رسالة ولم ندعُ!»
اترك تعليقاً